أكملوا دراستهم خارج الوطن و لكن فضلوا البقاء
من أسباب إزدهار الدول و تقدمها هو إهتمامها بالجانب التعليمي على كافة الأصعدة و مروراً بجميع المستويات إبتداء من رياض الأطفال و إنتهاءً بالتعليم العالي.
و لعل توفير البيئة المناسبة للطلاب و الأساتذة من أولويات نجاح العملية التعليمية بكل تفاصيلها و الذي ينتج عنها بنهاية الأمر كوادر بشرية قادرة على الإبداع و الإبتكار مع مواكبة التطور السريع لقيادة الدفة و الرقي بالبلاد و مؤسساتها.
و رغم إفتقار الكثير من مؤسسات الدولة التعليمية إلى أبسط الوسائل و لمدة زمنية لا يستهان بها إلا أنها تمكنت من تخريج دفعات متتالية كان لهم الدور ولو بشكل محدود و ضئيل في إستمرار العجلة التعليمية على المستوى المحلي بغض النظر عن القصور في الجانب الأكاديمي من حيث الإنتاج العلمي و الفكري خلال حقبة زمنية طويلة جعلت من مؤسسات البلاد خارج التصنيف الدولي.
و تجدر الإشارة بأن العملية التعليمية هي من العمليات المعقدة التي تحتاج إلى خطط إستراتيجية قصيرة و طويلة المدى على مستوى الدولة و بما يتوافق مع سوق العمل و الإحتياجات الفعلية لمؤسسات الدولة في ظل تخريج الأعداد الكبيرة من أغلب التخصصات دون أي أهداف حقيقية لإستغلال هذا الكم من الطاقة البشرية في البناء و التحسين و التطوير.
و لعل من أهم سبل التطوير في مجال التعليم هو إيفاد الطلاب للخارج لمواكبة تطور العلوم و الإحتكاك العلمي و العملي في مجالاتهم التي أوفدوا من أجلها الأمر الذي يعود بالنفع على الدولة ضمن خطط قصيرة الأجل للرفع من مستويات مؤسساتها و بالشكل المطلوب.
لا تقتصر فوائد الإيفاد للخارج فقط على نقل و تطبيق ما توصل إليه العلم في مجال معين و إنما قد يكون له الدور في إكتساب بعض الأمور الجانبية الأخري مثل إكتساب لغة البلد و إتقانها و الإحتكاك بأنظمة حديثة و متطورة علاوة على تعلم بعض الأساليب الإدارية المعتمدة على الحوكمة الإلكترونية في أغلب مجالات الحياة بالإضافة إلي الإستثمار الغير مباشر في أبناء الموفد عند إنخراطهم بالعملية التعليمية لعدة سنوات قد تكون كفيلة لتأسيس جيل قادر على مواكبة التسارع التكنولوجي الحديث متخلصاَ من الكسل و التنمر و الإستهزاء قادراً على صناعة الفارق في المستقبل القريب .
لعل إفتقار مؤسساتنا التعليمية لأساليب الإدارة الحديثة نتيجة للكثير من العوامل و الظروف المتراكمة و المعقدة و التي أدت إلى إنهيار المنظومة في شكلها الهرمي الأكاديمي بطريقة غير مباشرة كان له الأثر العكسي على الطالب الموفد خارج البلاد خلال مدة دراسته الأمر الذي خلق جدالاً نفسياَ لديه للإختيار بين العودة أو البقاء.
لا يخفى عن الكثير أن إهتمام الدول المتقدمة بتطوير الكوادر البشرية بصفة مستمرة عبر الدورات التدريبية المتعاقبة و إتاحة الفرصة أمام الجميع للإستفادة و تطوير و تحسين المهارات في أغلب المجالات التي تنعكس بالنهاية على أى مؤسسة مستقبلاَ، كما أن إتاحة فرص العمل للجميع وفقاً للخبرة و المهارات التي يمتلكها المتقدم للوظيفة علاوة على التدريب الذي سيتحصل عليه طيلة مدة عمله.
و بالتالي نجد مثلا في الجامعات الإنجليزية فرص تجديد الإقامة لغرض العمل لمدة 3 سنوات بعد إستكمال درجة الدكتوراه و سنتين بعد إستكمال الماجستير حيث تهدف هذه الخطوة إلى تحفيز الخريج نحو الإنخراط في مجالات العمل المختلفة و تنمية مهاراته العلمية و الأكاديمية و العملية بشكل أكثر فاعلية عند إنخراطه بالوظائف المختلفة في مجاله إن صح التعبير.
يعتبر الإستقرار الإداري و نيل الحقوق و إتاحة فرص العمل في بيئة تحتوي على الكثير من المحفزات عاملاَ أساسياَ لبقاء الموفدين لفترة زمنية تزيد عن المدة المحددة من قبل الدولة الموفدة الأمر الذي يدخله بشكل دائم في الصراع بين الأصوات المنادية برجوعه لإيفاء حق الدولة عليه و بين طموحه الشخصي في التطوير و التدريب و إكتساب الخبرة العملية بشكل أوسع و دقيق.
و من هنا كان يجب على مؤسسات الدولة أن تقوم بوضع خطط واضحة و مدروسة تضمن كافة حقوق الموفدين أثناء دراستهم كما تضمن توفير كافة الوسائل التعليمية في مؤسساتها و إتاحة فرص التدريب و التطوير و إعطاء كافة الأفكار و الإقترحات و البحوث و الإبتكارات الإهتمام بإدخالها إلى طي التنفيذ و التشجيع على الإنتاج العلمي و الفكري و الإرتقاء في السلم الوظيفي وفقاً للمعايير المتبعة دون تحيز أو وساطة أو محسوبية و من ثم دعوة أبنائها في الخارج للعودة نحو بيئة تحفيزية مميزة لا تقل في ميزاتها عن الأنظمة الخارجية.
.
بقلم المداح